قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ

أي: يا من من الله عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه وشروطه.

فـ { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله، والقيام بأمره امتثالًا، ونهيه اجتنابًا، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب، ووقاية الأهل [والأولاد]، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزروجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه.

ووصف الله النار بهذه الأوصاف، ليزجر عباده عن التهاون بأمره فقال: { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } كما قال تعالى: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } .

{ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ } أي: غليظة أخلاقهم، عظيم انتهارهم، يفزعون بأصواتهم ويخيفون بمرآهم، ويهينون أصحاب النار بقوتهم، ويمتثلون فيهم أمر الله، الذي حتم عليهم العذاب وأوجب عليهم شدة العقاب، { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } وهذا فيه أيضًا مدح للملائكة الكرام، وانقيادهم لأمر الله، وطاعتهم له في كل ما أمرهم به

ولهذا مسؤولية المؤمن لا تتوقف عند حدود نفسه، بل تتعداها إلى أهله

يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله “إن من أكبر أسباب الانحراف التي وجدتها خلال اشتغالي بالقضاء واطلاعي على الآلاف المؤلفة من القضايا، ومما رأيت وما سمعت من أحوال الناس، من أكبر هذه الأسباب: غياب الأب عن أولاده أكثر النهار، فلا يكاد يراهم ولا يرونه إلا يوم الجمعة.”

ولهذا قد يصبح الزوج عونًا لزوجه وولده ، وسببًا للطاعة ، وقد يكون الضد بضده.

ويؤكد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم )في الحديث (رحم الله رجلا قَامَ من الليل فصلى وَأَيقظ امرأته، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وجهها الماء ، رحم الله امرأة قَامت من الليل فصلت..)

يقول الدكتور عويض العطوي أستاذ البلاغة بجامعة تبوك سابقا

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)

ما أشد هذا الوصف وأفظعه! ولو تأملنا لوجدنا أن هذه النار الفظيعة لم تكن عقابًا على تقاعس في الجهاد، ولا على ترك شيء من أركان الإسلام، وإنما جاءت في مسئولية التربية، مسئولية النفس والأهل

فهل يعي المربون ذلك؟!.